الموضوع: تحليل مقال فلسفي
نص المقال: (( الأخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الموضوعية )) دافع عن هذه الأطروحة.
الطريقة: استقصاء بالوضع:
مقدمة:
مما لا شك فيه أن الإنسان مدني بطبعه وهذا لكونه يعيش في وسط اجتماعي حيث يتعهده المجتمع بالتربية والتثقيف فينمي استعداداته الفطرية ودوافعه النفسية وملكاته العقلية، ولذلك فإن الفرد ينشأ وهو مُدين للجماعة بكل شيء وما عليه إلا الخضوع للجماعة وما لها من نظم وعادات وبهذه الكيفية يكون الفرد انعكاسا للمجتمع، فالحياة الجماعية هي البيئة الأولى التي نتربى فيها، والمناخ الذي تتطور فيه قيمنا وأحكامنا وسلوكياتنا، ومن هنا يطرح الإشكال: ما دور المجتمع في وضع القيم الأخلاقية؟ وهل فعلا تبدأ الأخلاق عندما يبدأ الارتباط بجماعة ما؟
التحليل:
عرض منطق الأطروحة:
إن الإنسان لا يعيش لذاته ولا في عزلة عن غيره، بل إن أفعاله تؤثر في الآخرين كما يتأثر بأفعالهم إن كانت خيرا أو شرا وانطلاقا من هذه المسلمة يؤكد الاجتماعيون بأن الأخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الموضوعية ويجب دراستها دراسة وضعية قائمة على ربط الظاهرة بعواملها، فالواجب الاجتماعي إلزام وضعه المجتمع وعلى الفرد أن يمتثل لهذا الواجب باعتباره عضوا في جماعة، ويؤكد الاجتماعيون وعلى رأسهم إميل دوركايم بأن الأخلاق ظاهرة اجتماعية. ذلك أن الأخلاق تبدأ حيث التعلق بجماعة، والفرد يجدها تامة التكوين في المجتمع الذي يكون فيه، يكتسبها عن طريق التربية والتنشئة الاجتماعية التي تمنحه المبادئ الأخلاقية، يقول دوركايم: (( ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس هي المجتمع). كما يذهب الفيلسوف ليفي برول إلى أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية لها قوانينها حيث يدرس علم الأخلاق الأفعال الإنسانية، كما نلاحظ في الواقع وليست القيم سوى مظهر للجماعة تابع لمعتقداتها وعلومها وفنونها وعلاقاتها بالجماعات الأخرى.
تدعيم الأطروحة بحجج :
إن الفرد يبدأ باكتساب المعايير التي بها يقيم أفعاله ويحكم بها على أفعال الغير، ابتداء من احتكاكه مع الغير، ذلك الاحتكاك يعلمه القانون الجمعوي، الذي أسسته الجماعة، فالفرد قبل قيامه بأي فعل يرجع إلى القوانين التي اكتسبها من الجماعة، وهي التي تشرع له الإجازة أو المنع. إذن فعلا تبدأ الأخلاق عندما يبدأ الارتباط بجماعة ما، وبقدر ما كان الارتباط وثيقا بقدر ما كان التشبع بالقيم الأخلاقية قويا لدى الأفراد، والذي لا يرتبط بالعروة الوثقى للجماعة لا يكون لنفسه مرجعا، ولن تكون لديه أي قيم أخلاقية، بل لا يمكن وصفه حتى بالكائن الأخلاقي. فالضمير الجماعي هو الذي به نستطيع أن نتعايش مع المجموعة التي تعد البيئة والمناخ الذي ذهابها يعدمنا ووجودها يحيينا، وإذا كان واجبنا كأفراد هو إتباع منهج الجماعة، فمن واجب الجماعة أن تتحمل عبء تربيتنا وغرس القيم الاجتماعية فينا، حيث يقول بهذا الصدد دوركايم: (( حين يتكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا)) كما يؤكد كذلك قائلا: (( فالمجتمع ليس سلطة أخلاقية فحسب، بل كل الدلائل تؤكد أن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية)).
نقد خصوم الأطروحة: لقد ذهب الاتجاه العقلي إلى أن الإنسان كائن عاقل بالدرجة الأولى وعقله ليس ملكة للفهم والمعرفة فحسب بل هو مصدر الفعل الأخلاقي، وهذا ما عبر عنه كل من أفلاطون وديكارت، لكن الأخلاق بالمنظور العقلي متسامية وغاية في التجريد، إذ هي منفصلة عن التجربة الواقعية للإنسان، وتقصي العواطف والميول لديه، مع أن الواقع يقرر في كثير من الأحيان أن السلوك الذي ينبع من الوجدان قد يكون أنبل من ذلك الذي ينبعث من العقل بأحكامه المطلقة دون اعتبار للظروف الاستثنائية. كما ذهب أنصار أخلاق اللذة إلى اعتبار أن اللذة هي الخير والفضيلة، والألم هو الشر والرذيلة، وهذا ما عبر عنه كل من أبيقور وأرستيب، لكن الأخذ بمبدأ اللذة كمقياس أخلاقي يعبر عن تصور أناني وشخصي للقيم الأخلاقية، وهذا يؤدي إلى اختلاف الناس في تحكيمه، كما أنه ليس كل لذة خيرا، وليس كل ألم شرا، إضافة إلى أن ربط القيم الأخلاقية باللذة هو انتقاص من قيمة الأخلاق وسموها وقدسيتها. كما ذهب أنصار أخلاق المنفعة إلى أن أكبر ما يمكن من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس هو أساس الأخلاق ومعيارها، أي تحقيق أقصى ما يمكن من المنافع والسعادة واللذات بجماعة معينة، وهذا ما عبر عنه كل من جون استوارت مل و جيرمي بنتام، لكن هل يمكن أن تتوافق المنافع لدى أفراد المجتمع بصورة عفوية؟ إن الواقع يثبت تضارب المنافع وتصادمها بين الأفراد، وهذا ما يؤدي إلى الصراع، كما أن ربط القيم الأخلاقية بالمنافع يجعلها مجرد قيم تجارية متقلبة مع المصالح وهذا لا ينسجم مع سمو الأخلاق وشرف القيم.
الخاتمة:
في الأخير يمكن أن نؤكد أن الضمير الأخلاقي ما هو إلا تعبير أو صدى للقوانين الأخلاقية التي يصدرها الوسط الاجتماعي الذي نعيش فيه، وهذا الصدى يتردد في داخلنا فيأمرنا بفعل الخير وينهانا عن فعل الشر، فحينما نقوم الأفعال فإن المجتمع هو الذي يقومها، يقول دوركايم: ( المجتمع، الهواء الذي نتنفسه ولكن لا نشعر بوزنه ).
نص المقال: (( الأخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الموضوعية )) دافع عن هذه الأطروحة.
الطريقة: استقصاء بالوضع:
مقدمة:
مما لا شك فيه أن الإنسان مدني بطبعه وهذا لكونه يعيش في وسط اجتماعي حيث يتعهده المجتمع بالتربية والتثقيف فينمي استعداداته الفطرية ودوافعه النفسية وملكاته العقلية، ولذلك فإن الفرد ينشأ وهو مُدين للجماعة بكل شيء وما عليه إلا الخضوع للجماعة وما لها من نظم وعادات وبهذه الكيفية يكون الفرد انعكاسا للمجتمع، فالحياة الجماعية هي البيئة الأولى التي نتربى فيها، والمناخ الذي تتطور فيه قيمنا وأحكامنا وسلوكياتنا، ومن هنا يطرح الإشكال: ما دور المجتمع في وضع القيم الأخلاقية؟ وهل فعلا تبدأ الأخلاق عندما يبدأ الارتباط بجماعة ما؟
التحليل:
عرض منطق الأطروحة:
إن الإنسان لا يعيش لذاته ولا في عزلة عن غيره، بل إن أفعاله تؤثر في الآخرين كما يتأثر بأفعالهم إن كانت خيرا أو شرا وانطلاقا من هذه المسلمة يؤكد الاجتماعيون بأن الأخلاق ظاهرة اجتماعية تتميز بشروطها الموضوعية ويجب دراستها دراسة وضعية قائمة على ربط الظاهرة بعواملها، فالواجب الاجتماعي إلزام وضعه المجتمع وعلى الفرد أن يمتثل لهذا الواجب باعتباره عضوا في جماعة، ويؤكد الاجتماعيون وعلى رأسهم إميل دوركايم بأن الأخلاق ظاهرة اجتماعية. ذلك أن الأخلاق تبدأ حيث التعلق بجماعة، والفرد يجدها تامة التكوين في المجتمع الذي يكون فيه، يكتسبها عن طريق التربية والتنشئة الاجتماعية التي تمنحه المبادئ الأخلاقية، يقول دوركايم: (( ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس هي المجتمع). كما يذهب الفيلسوف ليفي برول إلى أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية لها قوانينها حيث يدرس علم الأخلاق الأفعال الإنسانية، كما نلاحظ في الواقع وليست القيم سوى مظهر للجماعة تابع لمعتقداتها وعلومها وفنونها وعلاقاتها بالجماعات الأخرى.
تدعيم الأطروحة بحجج :
إن الفرد يبدأ باكتساب المعايير التي بها يقيم أفعاله ويحكم بها على أفعال الغير، ابتداء من احتكاكه مع الغير، ذلك الاحتكاك يعلمه القانون الجمعوي، الذي أسسته الجماعة، فالفرد قبل قيامه بأي فعل يرجع إلى القوانين التي اكتسبها من الجماعة، وهي التي تشرع له الإجازة أو المنع. إذن فعلا تبدأ الأخلاق عندما يبدأ الارتباط بجماعة ما، وبقدر ما كان الارتباط وثيقا بقدر ما كان التشبع بالقيم الأخلاقية قويا لدى الأفراد، والذي لا يرتبط بالعروة الوثقى للجماعة لا يكون لنفسه مرجعا، ولن تكون لديه أي قيم أخلاقية، بل لا يمكن وصفه حتى بالكائن الأخلاقي. فالضمير الجماعي هو الذي به نستطيع أن نتعايش مع المجموعة التي تعد البيئة والمناخ الذي ذهابها يعدمنا ووجودها يحيينا، وإذا كان واجبنا كأفراد هو إتباع منهج الجماعة، فمن واجب الجماعة أن تتحمل عبء تربيتنا وغرس القيم الاجتماعية فينا، حيث يقول بهذا الصدد دوركايم: (( حين يتكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا)) كما يؤكد كذلك قائلا: (( فالمجتمع ليس سلطة أخلاقية فحسب، بل كل الدلائل تؤكد أن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية)).
نقد خصوم الأطروحة: لقد ذهب الاتجاه العقلي إلى أن الإنسان كائن عاقل بالدرجة الأولى وعقله ليس ملكة للفهم والمعرفة فحسب بل هو مصدر الفعل الأخلاقي، وهذا ما عبر عنه كل من أفلاطون وديكارت، لكن الأخلاق بالمنظور العقلي متسامية وغاية في التجريد، إذ هي منفصلة عن التجربة الواقعية للإنسان، وتقصي العواطف والميول لديه، مع أن الواقع يقرر في كثير من الأحيان أن السلوك الذي ينبع من الوجدان قد يكون أنبل من ذلك الذي ينبعث من العقل بأحكامه المطلقة دون اعتبار للظروف الاستثنائية. كما ذهب أنصار أخلاق اللذة إلى اعتبار أن اللذة هي الخير والفضيلة، والألم هو الشر والرذيلة، وهذا ما عبر عنه كل من أبيقور وأرستيب، لكن الأخذ بمبدأ اللذة كمقياس أخلاقي يعبر عن تصور أناني وشخصي للقيم الأخلاقية، وهذا يؤدي إلى اختلاف الناس في تحكيمه، كما أنه ليس كل لذة خيرا، وليس كل ألم شرا، إضافة إلى أن ربط القيم الأخلاقية باللذة هو انتقاص من قيمة الأخلاق وسموها وقدسيتها. كما ذهب أنصار أخلاق المنفعة إلى أن أكبر ما يمكن من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس هو أساس الأخلاق ومعيارها، أي تحقيق أقصى ما يمكن من المنافع والسعادة واللذات بجماعة معينة، وهذا ما عبر عنه كل من جون استوارت مل و جيرمي بنتام، لكن هل يمكن أن تتوافق المنافع لدى أفراد المجتمع بصورة عفوية؟ إن الواقع يثبت تضارب المنافع وتصادمها بين الأفراد، وهذا ما يؤدي إلى الصراع، كما أن ربط القيم الأخلاقية بالمنافع يجعلها مجرد قيم تجارية متقلبة مع المصالح وهذا لا ينسجم مع سمو الأخلاق وشرف القيم.
الخاتمة:
في الأخير يمكن أن نؤكد أن الضمير الأخلاقي ما هو إلا تعبير أو صدى للقوانين الأخلاقية التي يصدرها الوسط الاجتماعي الذي نعيش فيه، وهذا الصدى يتردد في داخلنا فيأمرنا بفعل الخير وينهانا عن فعل الشر، فحينما نقوم الأفعال فإن المجتمع هو الذي يقومها، يقول دوركايم: ( المجتمع، الهواء الذي نتنفسه ولكن لا نشعر بوزنه ).
تعليقات
إرسال تعليق